مقر بعثة يونامي بغداد – العراق 12 كانون الأول 2018 الأصدقاء والزملاء الأعزاء،
دائما ما يكون هناك وقت للترحيب بشخص ما ووقت لتوديعه. وقد حان الوقت الآن بالنسبة لي لأقول وداعا لكم جميعا، سواء في أسرة الأمم المتحدة، أو في بعثة الأمم المتحددة لمساعدة العراق، أو ضمن الفريق القطري. وأقول أيضا وداعا لأصدقائنا وأصدقائي هنا في العراق، بمن فيهم الشعب العراقي والنواب والسياسيون والمجتمع المدني وزعماء العشائر، وكل الذين عملت معهم خلال السنوات الأربع الماضية في العراق. لقد كان ذلك شرفا وامتيازا عظيمين أن يمنحني الأمين العام هذه الفرصة لأخدم ليس الأمم المتحدة فحسب بل العراق والشعب العراقي أولا.
وأنا أسترجع ذكريات فترة هذه السنوات الأربع الماضية- أدرك أنها لم تكن الأسهل، لا بالنسبة لي ولا بالنسبة لحياة البلاد أيضا. فعندما وصلت إلى العراق كانت البلاد مقسمة، إذ كان ثلث مساحتها تحت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي والوحشي، ولم يكن الناس يعلمون ماذا يخبئ لهم المستقبل. وقد اضطر ما يقارب ستة ملايين نازح ولاجئ إلى مغادرة ديارهم بطرق مختلفة، وكان النزاع مستمرا، وتمت تعبئة الناس من جميع أنحاء العراق- وخصوصا من المحافظات الجنوبية- لحماية البلاد وإنقاذها.
كما أن الأزمة الاقتصادية كانت عميقة، فقد أثرت أسعار النفط على الوضع الإقتصادي وعلى حياة الناس على السواء. وكانت البلاد – سواء اعترفنا بذلك أم أنكرناه- تعاني من العزلة بعض الشئ. فرغم أنه كانت لديها علاقات مع عدد من البلدان، إلا أنه فيما يتعلق بالمنطقة فإن تلك العلاقات لم تكن قوية، إذ لم تكن علاقات العديد من دول المنطقة مع الحكومة جيدة آنذاك. ولكن إذا نحن ألقينا نظرة سريعة على الوضع اليوم، فسنجد أن القصة مختلفة تماما.
فقد انتصرت البلاد – وبتضحيات هائلة من الشعب العراقي-على إرهابيي تنظيم داعش وعصاباته، رغم أن بعض المخاطر الأمنية ما زالت قائمة، غير أن المعركة ما زالت مستمرة. ونحن نعلم أن المسألة لا تتعلق بالإيديولوجية فحسب، بل إنها ترتبط أيضا بعودة النازحين، وبالعدالة، والمصالحة، والمساءلة، والمستقبل الكريم، وبكل ما يجب أن تملكه البلاد ويحتاجه الشعب لأن العراق وشعبه يستحقان ذلك.
لقد بدأ النازحون في العودة إلى ديارهم وعاد أغلبهم بالفعل، ولكن ما زال هناك عدد كبير منهم بحاجة إلى الدعم وبحاجة إلى المساكن والمدن التي يمكنهم الذهاب إليها، لذا فمن الضروري إعادة بناء المدن التي تم تدميرها أثناء القتال. إن كل الناس سواسية ولديهم الإحتياجات والتطلعات نفسها، لذلك ينبغي على الحكومة أن تعمل على تلبية هذه الإحتياجات التي كان قد تم وضعها جانبا بسبب ضرورات الأولويات الأمنية خلال القتال ضد داعش.
إن الوقت الراهن هو الوقت المناسب للإستجابة للإحتياجات، وتقديم الخدمات وتوفير الوظائف، والماء الصالح للشرب، والخدمات الصحية، والمستقبل الكريم لجميع المواطنين الذين يجب أن يحصلوا على حقوق وفرص ومسؤوليات متساوية.
إن البلاد موحدة الآن، وأنا متشجع للغاية لرؤية كيف تحاول القوى السياسية أن تعمل معا وتتعلم من الدروس. وهي بحاجة إلى إضفاء الطابع الإجتماعي على هذه الدروس المستقاة من الماضي، بل والعمل معا من أجل مصلحة البلاد وليس من أجل تحقيق مصالحها الخاصة فقط. كما أنني سعيد برؤية تمثيل قوي للقوى السياسية من إقليم كردستان. فقد عاد ممثلو تلك القوى إلى بغداد، وهم يعملون معا مع ممثلي باقي مناطق البلاد من أجل خدمة مصلحة البلاد ومصلحة إقليم كردستان ومصلحة الأكراد في كل مكان. وهناك العديد من المهام الأخرى في المستقبل التي يجب أن تحظى بالأولوية بالنسبة للحكومة والقوى السياسية والشعب.
لكنني أرى المستقبل مشرقا، فعندما وصلت إلى العراق كانت البلاد في وضع نزاع وحرب وتفكك، لكن ما نراه الآن هو بلد ذو مستقبل وفرص للجميع. فقد عاد إلى وضعه الصحيح في المنطقة وطور علاقات عميقة مع جميع الدول وليس مع دول المنطقة فحسب، وعاد إلى مكانه الصحيح كشريك قوي في المجتمع الدولي.
مرة أخرى، أعرب عن امتناني لكم جميعا- وخصوصا زملائي في الأمم المتحدة وللشعب وكل القوى في العراق- لمساعدتي ودعمي. وأعبر أيضا عن امتناني الخاص لسماحة السيد السيستاني الذي يقدم التوجيهات الإيجابية المستمرة لكل من يهتم بمستقبل العراق وشعبه.
شكرا جزيلا