هادي جلو مرعي
يريد الإنسان أن ينال التمام في القضايا الروحية حتى لو كان على سبيل الرياء، ويريد الطعام فلولا الخبز لما عبد الله، ويريد السلامة من المرض والأذى والهلاك.
الناس هم الناس كما وصفهم الحسين ( عبيد الدنيا والدين لعق على أفواههم متى مامحصوا بالبلاء قل الديانون).
يقول الشاعر مظفر النواب مخاطبا عليا إبن أبي طالب:
لو جئت الآن لحاربك الداعون إليك ولسموك شيوعيا.
أحدهم كان حاضرا في وليمة أعدها أحدهم لدعم مرشح في إنتخابات، وكان بعض الحاضرين متحمسين لمرشحهم، وعندما خرج الناس كان أحدهم يقول ضاحكا ومستهزءا بصاحب الدعوة: لقد تناولنا طعامه، ولكننا سنصوت للمرشح فلان، وقهقه: ههههههه.
في معركة صفين حين كان علي ومعاوية في معسكري مواجهة إنقسم المسلمون بينهما، وكان ذلك أمرا مفهوما، فكل نفس بماكسبت رهينة، وكل يحمل طائره في عنقه، وكان أحدهم من رفيعي المنزلة ممن لايحاربون يذهب في وقت الصلاة عند علي، وحين يحين وقت الطعام يذهب الى فسطاط معاوية، وحين يلتقي الجيشان، ويشتعل الميدان، وتطيح الرؤوس، وتقطع الأيدي يرتقي مرتفعا من الأرض، وحين يسأله الناس عن ذلك يقول العبارة التي بقيت مدى الدهر:
الصلاة خلف علي أتم
والطعام عند معاوية أدسم
والصعود الى الجبل أسلم
كثير من الناس يتفاخرون بحبهم للصالحين، وتعلقهم بالأنبياء، والأولياء، والأئمة الخالدين، وكل ذلك يلوكونه كما يلوكون طعامهم، ولكنهم حين يتطلب الأمر منهم أن يتصرفوا بأخلاق الأنبياء والصالحين يتنصلون من المسؤولية، ويهربون الى الأعذار، ويفتعلون المزيد منها تجنبا للحرج.
مؤلم جدا كل ذلك، وبرغم أن البشر في الغالب يمارسون الخطايا، ويتجاهلون أنهم يفعلون ذلك، ويزين لهم الشيطان أفعالهم السيئة يتعمدون المكابرة والكذب، ويتصرفون كقديسين. فالكذب والرياء والخداع والتضليل والغيبة والتعدي على الناس والسرقة والفساد والظلم والتخريب للحياة والتسلط وغمط الحقوق ولايهتمون لمساءلة وكأنهم يؤجلون ذلك، ولايعبأون ماوراءه من حساب وعقاب.