بقلم :عبد الرحمن فاضل البدراني
في المفهوم العلمي هناك مسألة حتمية في علوم الطب تقول إذا زرعوا بجسم الإنسان عضوا غريبا أو خلايا غريبة فلا تتوافق معه،لأن الجسم يرفضها بل يقوم بمهاجمتها،وجهاز المناعة يعتبرها جزءا غريبا كحال الفيروسات والبكتريا،لذا يحتاج القيام بعمليات تكييف علمية قبل البدء بمرحلة الزراعة سبيلا للموائمة ،وهذه المسألة هي ذات الخصوصية العلمية لو طبقت على منظومة الأفكار لشهدت نفس النفور والصراع ما لم تسبقها عمليات تكييف نفسي وذهني سبيلا للتعايش البيئي وتقبل الأفكار التي تطرح!
فالفكر ساهمت بتكوينه الييئة والتربية أو ما يسمى بالتنشئة الاجتماعية، وبالتالي فأي فكرة غريبة حتى لو كانت صحيحة يصبح موضوع تقبلها صعب وتقبل الأفكار التي تشبهها وتتوافق مع مستوى العقل والبيئة التي يعيش بها،فلو أراد أحدنا تقبل أي فكرة غريبة على عقله والبيئة المحيطة به والتي ساهمت في تكوين العقل يحتاج الى جهد كبير لأن صراع الفكر أصعب من صراع الجسد،وهنا لن أسمية صراع نفسي إذ أن كل صراع نفسي أساسه التفكير في العقل فإذا أردت أن تتقبل هذه الفكرة الغريبة على العقل بسهولة تحتاج الى التحليل وفهم أساس الدماغ ،وهنا ينبغي أن حيث ينقسم الدماغ الى ثلاثة أقسام :
١-دماغ الزواحف (Reptile brain):وهدفه تلبية احتياجات الجسد من أكل وشهوة ،وهذا يطلق عليه “دماغ الشهوات “.
٢-دماغ الثديات(The mammalian brain):وهدفه تلبية احتياجات النفس مع المجتمع واقصد بذلك العواطف(كره-حسد- قلق-خوف-حب الشهرة -السفر)وهذا يطلق عليه ب”دماغ العواطف”.
٣-الدماغ المفكر(The Thinking Brain):وهو العقل المعني بالتفكير الذي يفرق بين الخطأ والصواب والقدرة على التخطيط،والعقل هو الجزء الذي يميز الانسان عن بقية الكائنات الحية التي تشترك مع الانسان في أول جزئين(دماغ الزواحف ودماغ الثديات) فالإنسان بامتلاكه على العقل يعتبر اعقد الكائنات الحية.
ومن أمثلة ذلك إذا كنت من عائلة محافظة جداً فلن تسمح لأختك الدخول للجامعة وإكمال دراستها مهما كان لديها من الإصرار والإرادة على النجاح والتفوق العلمي،هذا الشيء يعتبر مخالف لعادات العائلة المحافظة حتى وإنْ كانت فكرة الأخت صحيحة، وتفسير الفعل يدخل في إطار الصراع. فعقل العواطف يقول:هذا الشيء مخالف لعاداتنا وأخلاقنا ولا يجوز للبنت أنْ تختلط وما المغزى من إكمال دراستها؟ فمسؤوليات البنت أن تتزوج وتنجب أطفال وتهتم بشؤون أطفالها وزوجها هذا يكفي وأكثر من هذا لا يجوز، بينما العقل المفكر يقول: لماذا أرفض وأقتل طموح إنسان لديه الرغبة في النجاح والتفوق ورفع اسم عائلتنا؟ ما الغرض من هذا الرفض بسبب عادات وقيم قديمة لا مغزى لها ؟،وهنا سوف تدخل في صراع وهكذا العديد من الصراعات اليومية ،تحتاج النفس الى السلام الداخلي والتطلع والوعي والتهذيب والتدريب والمثابرة التي تستمر أشهر طويلة ،وقد تمتد الى سنين طويلة حتى يخضع الجسد والعاطفة لأمر العقل المفكر ويصبح العقل هو القائد ويصبح كل من (دماغ الشهوات ودماغ العاطفة) أدوات تحت سيطرة العقل وتعمل الأجزاء الثلاثة دون صراع،وبالتدريب والتهذيب يمكن للجسد أنْ يغير أطباعه نحو الأفضل في ضوء عملية التطور الفكري والوعي والنضوج ،ما يجعل الإنسان بعقلية مرنة يتقبل أي فكرة غريبة تطرح عليه وتخضع للنقاش والتحليل .
وعلى هذا الأساس فان عملية تقبل الأفكار التي تطرح في البيئة الاجتماعية هي عملية صعبة للغاية وتتطلب توفير العقول المهيئة للنقاش أو ما نسميها العقول المرنة لكي يتواءم أفراد المجتمع نحو صناعة الحياة بصيغ فكريبة متقدمة.