عندما أصدر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أوامره هذا الأسبوع بمحاولة اغتيال قادة حماس في قطر، فقد خاض مقامرة كبيرة في حملته لإخضاع الحركة بالقوة، ويبدو أن هذه المقامرة ارتدت عليه، مع تزايد المؤشرات على فشل المهمة.
كان نتنياهو يأمل في قتل قادة حماس المنفيين البارزين من أجل الاقتراب من رؤيته لـ “النصر الكامل” على الحركة التي هاجمت إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، ولإجبارها على الاستسلام بعد نحو عامين من الحرب في قطاع غزة، لكن بدلاً من تحقيق ذلك، تؤكد حماس أن قادتها نجوا، فيما تلقّت مكانة نتنياهو الدولية ــ المتضررة أصلًا من مشاهد الدمار والكوارث الإنسانية في غزة ــ ضربة جديدة.
لقد أثار القصف الجوي يوم الثلاثاء غضب قطر، الحليف المؤثر للولايات المتحدة والوسيط الرئيس طوال الحرب، كما جلب انتقادات حادة في العالم العربي، وزاد القصف كذلك من توتر العلاقات مع البيت الأبيض، ونسف الآمال بإبرام وقفٍ لإطلاق النار، بما قد يعرّض حياة عشرين رهينة ما زال يُعتقد أنهم على قيد الحياة في غزة للخطر.
إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يُبدي أي إشارة إلى التراجع أو وقف الحرب رغم أن الضربة شكّلت انتكاسة لنتنياهو، ولا يواجه تهديدًا مباشرًا لحكمه مع وقوف ائتلافه المتشدد بقوة خلفه.
تسبب هجوم الدوحة في قُتل خمسة من أعضاء حماس من المستويات الدنيا وحارس أمني قطري، غير أن حماس قالت إن الهدف المقصود، أي قادتها المنفيين الذين كانوا يجتمعون لمناقشة مقترح وقف إطلاق النار الأميركي الجديد، جميعهم نجوا ولم تُصدر الحركة أي صور لقادتها، ولم تُعلّق قطر على حالتهم.
يقول حاريل خوريف، الخبير في الشؤون العربية بجامعة تل أبيب، إنه لو قُتل القادة الكبار في الغارة، لكان ذلك وفّر لنتنياهو فرصة لإعلان تدمير حماس، وأضاف: “الأمر كله رمزي جدًا، وهو بالتأكيد جزء مما يسمح لنتنياهو، في لحظة ما، أن يقول: لقد انتصرنا، وقتلناهم جميعًا”.
وقضت الحملة الإسرائيلية العنيفة المستمرة منذ 23 شهرًا في غزة على جميع قادة حماس الكبار داخل القطاع، لكن نتنياهو حدّد هدفه في القضاء التام على الحركة كجزء من رؤيته لـ “النصر الكامل”، ويبدو أن ذلك بات أقل احتمالًا من أي وقت مضى، مما يصعّب على نتنياهو تمرير وقف إطلاق النار داخل ائتلافه المتشدد.
وحاصر أعضاء اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، وهددوا بإسقاط حكومته ما لم تمضِ إسرائيل قدمًا في عملية موسعة داخل مدينة غزة، على الرغم من التحفظات الجدية لدى العديد من قادة الجيش والمعارضة الواسعة بين الرأي العام الإسرائيلي.
كان نجاح العملية في قطر سيتيح لنتنياهو تهدئة المتشددين، حتى لو أدّت إلى تصفية المسؤولين أنفسهم عن التفاوض على وقفٍ محتمل لإطلاق النار.
ويقول خوريف إن إسرائيل كانت قادرة منذ بداية الحرب على استهداف قادة حماس في الدوحة، لكنها لم تكن ترغب في استفزاز القطريين فيما كانت المفاوضات جارية.
وقد ساعدت قطر بالفعل في التوصل إلى اتفاقي وقف إطلاق نار سابقين أفرجا عن 148 رهينة، بينهم ثماني جثث، مقابل آلاف الأسرى الفلسطينيين، أما الجيش الإسرائيلي فلم ينقذ سوى ثمانية رهائن أحياء، واستعاد جثامين 51 آخرين.
ورغم شكاوى إسرائيل من أن قطر لا تضغط بما يكفي على حماس، فإنها أبقت على القناة مفتوحة – حتى يوم الثلاثاء، وقال خوريف: “إسرائيل أعلنت للعالم كله، من خلال هذه الضربة، أنها تخلّت عن المفاوضات… لقد قررت حرق القناة مع قطر”.
وقال رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني عند سؤاله ما إذا كانت محادثات وقف إطلاق النار ستستمر: “لا أعتقد أن هناك شيئًا صالحًا” في المحادثات الحالية، لكنه لم يُفصّل ولم يصل إلى حد القول إن قطر ستنهي جهود الوساطة.
ولا يزال غير واضح كيف يأمل نتنياهو في تأمين إطلاق سراح الرهائن الباقين.
واتّهم الشيخ محمد إسرائيل الخميس بالتخلي عن الرهائن، وقال أمام مجلس الأمن: “المتطرفون الذين يحكمون إسرائيل اليوم لا يبالون بالرهائن — وإلا فكيف نبرّر توقيت هذا الهجوم؟”.
وقال الشيخ محمد إن بلاده مستعدة لاستئناف وساطتها من دون أن يعطي أي مؤشر على الخطوات المقبلة.
والتقى الشيخ محمد الجمعة في واشنطن بوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الذي كان من المقرر أن يزور إسرائيل هذا الأسبوع، في إشارة إلى محاولة إدارة ترامب موازنة العلاقات بين الحلفاء الرئيسيين في الشرق الأوسط.
ويبدو أن نتنياهو، الذي حظي بدعم أميركي مطلق منذ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة، قد توترت علاقاته مع أهم حليف له، فقد قال ترامب إنه “غير سعيد إطلاقًا” بالضربة الجوية، وأكد للقطريين أن مثل هذا الهجوم لن يتكرر، إلا أن ترامب لم يقل ما إذا كان سيتخذ أي إجراء عقابي ضد إسرائيل، ولم يشر إلى أنه سيمارس ضغطًا على نتنياهو لوقف الحرب.
وفي هذه الأثناء، بقي نتنياهو على موقفه مهددًا بمزيد من التحركات إذا واصلت قطر استضافة قيادة حماس، وقال يوم الخميس: “الرسالة إلى حماس واضحة: لا يوجد مكان لا نستطيع الوصول إليكم فيه”.
وتواصل إسرائيل المضي قدمًا في هجومها الموسع الهادف إلى السيطرة على مدينة غزة، وقد حث الجيش على إخلاء كامل للمنطقة التي يقطنها نحو مليون شخص قبيل الغزو المتوقع.
وتقول غايل تلشير، عالمة السياسة في الجامعة العبرية بالقدس: “حكومة نتنياهو مصممة على الاستمرار في العملية العسكرية في غزة”، وأضافت أن إسرائيل تجاهلت دعوات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد متزايد من الدول الغربية الكبرى لوقف الحرب، وهذه الدول تخطط للاعتراف بدولة فلسطينية في مجلس الأمن في وقت لاحق من هذا الشهر، وأشارت إلى أن الشخص الوحيد القادر على تغيير هذا المسار هو ترامب، عبر أن يقول لإسرائيل: “كفى”.
وسيعزل نتنياهو نفسه أكثر عن ثلثي الرأي العام الإسرائيلي تقريبًا، الذين يريدون إنهاء الحرب والتوصل إلى اتفاق يعيد الرهائن، إذا نجا قادة حماس وانهارت المفاوضات، لكن هذه المعارضة قائمة منذ أشهر ولم تؤثر كثيرًا في نتنياهو.
ويقول يوحنان بلسنر، رئيس معهد الديمقراطية الإسرائيلي في القدس: “مستقبل نتنياهو القريب لا يعتمد على الرأي العام الإسرائيلي، بل على ائتلافه الحاكم، الذي عبّر كثير من أعضائه عن دعم كامل لمحاولة الاغتيال”، وقد أشعل ذلك الذعر وزاد معاناة عائلات الرهائن المحتجزين في غزة.
وقالت عيناف زانغاوكر، والدة ماتان أحد الأسرى، هذا الأسبوع إنها كانت “ترتجف خوفًا” بعد سماعها خبر الهجوم الإسرائيلي في الدوحة، وأضافت باكية: “لماذا يصر رئيس الوزراء على نسف كل فرصة للتوصل إلى اتفاق؟ لماذا؟”.