الإيكونوميست
في مشهد لم تألفه السليمانية من قبل، انتشرت الدبابات في شوارع المدينة خلال شهر آب الماضي، إثر اشتباكات عنيفة اندلعت بين فصائل تابعة لأبناء العمومة بافل ولاهور طالباني، المنتميين إلى واحدة من أبرز العائلات السياسية في إقليم كردستان العراق.
الاشتباكات التي حوّلت فندق “لاليزار” إلى أنقاض مشتعلة، أسفرت عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل، وعمّقت الشرخ داخل الاتحاد الوطني الكردستاني (PUK)، أحد الحزبين الرئيسيين في الإقليم.
🔻 خلاف دموي على السلطة
في منزله على أطراف السليمانية، قال بافل طالباني إن العملية التي أشعلت المواجهة كانت “تنفيذًا لمذكرة اعتقال”، متهماً ابن عمه لاهور طالباني بتدبير مؤامرة لاغتياله. وأضاف:
“هذه هي المحاولة الثانية، الأولى كانت قبل ثلاث سنوات ونصف عندما تم تسميمي بمادة الديوكسين”.
وأوضح بافل أن مسيّرات تابعة للاهور كانت مبرمجة لقصف منزل طليقته وأطفاله، مشيرًا إلى أن الهدف الحقيقي من وراء ذلك هو السيطرة على الجهاز السياسي للاتحاد الوطني ومعقله في السليمانية.
🔻 من النضال المشترك إلى العداء العائلي
العائلتان تنحدران من إرث سياسي ثقيل، فوالد بافل، جلال طالباني، هو مؤسس الاتحاد الوطني الكردستاني ورئيس العراق الأسبق.
نشأ أبناء العم في لندن خلال فترة نفي عائلتهم، قبل أن يعودا بعد عام 2003 ليشكّلا ركناً أساسياً في النظام السياسي الكردي. لكن وفاة جلال طالباني عام 2017 كانت نقطة الانقسام الكبرى التي فجّرت صراع النفوذ داخل الحزب.
في عام 2021، أُقصي لاهور من الحزب ومن جهاز الأمن بعد اتهامه بمحاولة اغتيال بافل، وهو اليوم قيد الاعتقال بانتظار المحاكمة، في حين قاد بافل حملة تطهير داخلية طالت شخصيات معارضة، ما وُصف بأنه أوسع حملة قمع سياسي في تاريخ السليمانية.
🔻 خيبة أمل شعبية وتراجع الاستقلال
يقول الباحث ريناد منصور من مركز “تشاتام هاوس” في لندن:
“هذه هي المرة الأولى منذ عام 2003 التي تفقد فيها حكومة إقليم كردستان هذا القدر من استقلالها”.
فقد كانت كردستان تُعتبر “العراق الآخر”، رمزًا للاستقرار والنمو، لكنها اليوم تواجه أزمة مالية خانقة وصراعات سياسية داخلية واتهامات بالفساد والمحسوبية.
لم تُدفع رواتب موظفي الإقليم منذ أشهر، بينما تستثمر العائلات الحاكمة في مشاريع فاخرة وسط انهيار الثقة الشعبية وتراجع نفوذ الإقليم أمام بغداد.
🔻 مستقبل غامض
يرى مراقبون أن حملة بافل الصارمة قد تمنحه نفوذاً أكبر في الانتخابات العراقية المقبلة، لكنها في المقابل قد تعزز الانقسام الداخلي وتهدد استقرار الإقليم.
في ظل غياب حرية التعبير، وتراجع الإعلام المستقل، واستشراء الفساد، تبدو كردستان اليوم أمام مفترق طرق حاسم — بين إصلاح مؤجل أو انفجار سياسي قادم.