هادي جلو مرعي
قبل مطلب التغيير السياسي يحتاج العراقيون الى جملة تغيرات أخلاقية وثقافية تطبع سلوكهم.فقد جربوا تغيير الأنظمة، لكنهم لم يتغيروا معها.. سقط النظام الملكي بأيدي بعض الضباط الذين إقتتلوا بينهم، وتناثرت جثثهم بين أفواه اسماك نهر ديالى، أو تناثرت من طائرة مروحية تحترق.ثم تناوش البعثيون السلطة، وحكموا وفقا لمزاج خاص، وأدخلوا البلاد في متاهة.وحين سقطوا على يد جورج بوش الإبن تسلمت السلطة مجموعات سياسية كردية وسنية وشيعية إنفصلت لاحقا عن الشعب، وإحتوشت المؤسسات والأموال والممتلكات، وظلت تنثر بقايا فضلاتها على الشعب، ومؤكد إن هذا النظام زائل، أو متحول، أو متغير، أو مصيره السقوط كمن سبق من أنظمة.
لم يتغير شيء.. فالعراقيون هم هم، والأنظمة هي هي بإستثناء أن هناك من يبكي على اطلال النظام الملكي أمثالي، وهناك من يتحسر على عبد الكريم قاسم أول من سن سنة حكم العسكر المدمرين الإنقلابيين، وهناك من يحن الى ويئن على حكم البعثيين، وكل صنف من هذه الأصناف الثلاثة له أسبابه التي يسوقها ليقنع بها عراقي لايقتنع. أنا مثلا أرى إن زوال الملكية في عام 1958 كان زوالا للدولة العراقية المتماسكة الدستورية التي شهدت التحديث النسبي، وأحالنا ذلك الإنقلاب الاسود الى أنظمة الإنقلابات والتآمر والعبثية. فصراع قاسم وعارف ومن معهم من قتلة أطفال قصر الرحاب كان يؤشر حال الفوضى الداخلية، وإن الإنقلاب لم يكن وفقا لرؤية ومحاولة حقيقية لبناء وطن والدليل إن قاسم إنقلب على نظام دستوري، وعارف أراد قتل قاسم، وقاسم عفى عن عارف وعارف قتل قاسم، وعارف قتل بحادث مروحية، والبعثيون رحلوا عبد الرحمن عارف الى المنفى، وقادوا العراق الى ملحمة الموت والحروب والحصارات، الى أن وصلنا الى عام 2003 الذي كان العراقيون يريدون تغيير النظام فيه الى ماهو أحسن، وإذا بهم يواجهون عصر النهب والسرقات والطائفية، والتدخلات الخارجية والإحتلالات.
لايوجد تغيير، العراق هو هو، والعراقيون هم هم، يبحثون عن الخلاص من الإستبداد والطائفية والتعالي والفساد والتحزب والنفاق والخوف من المستقبل وإنعدام الخدمات وفقدان الثقة وإنهيار البنى التحتية وغياب الرؤية والتنافس بين القوى والأحزاب السياسية التي غيبت الوطن والمواطن، وجعلت المنافقين والكذابين والدجالين والمتزلفين ولالقتلة والسراق في المقدمة…ثبت أن أنظمة الحكم التي تعاقبت على العراق، وسببت له كل هذا الكم من المصائب هي نتاج أخلاق شعبية محلية، ونشأتها عراقية خالصة.. مايحتاجه العراقيون هو التواضع، وعدم التكبر وإستصغار وإحتقار الآخر ورفضه كشريك والتعامل معه كطارىء ومخالف وعديم الفائدة. العراقيون يجب أن يفهموا أن إبن الأنبار لم يخلق من طينة مخلوطة بالذهب، وإن إبن البصرة لم يختلط بطينته اللؤلؤ والمرجان، وإن إبن بغداد ليس عال ومتعال عن سواه من مواطنين، وإن العاصمة هي نتاج خيرات المدن والقرى القصية.وان لاطائفة أفضل من أخرى، ولاقومية هي ازكى من قومية، ولاعشيرة أطهر نسبا من عشيرة.. عند ذاك لن يكون مهما تغيير الأنظمة، فكل شيء كما أسلفنا وليد بيئته الحاضنة.. فأي نظام تنتجه بيئة محتقنة ومتعالية ومتمردة ومشاكسة وتعاني خللا بنيويا ثبت إن إصلاحه يحتاج معجزة.