إنعام العامري
بالقرب من ملوية سامراء، أراضٍ شاسعة على مد البصر، جزء منها جرداء لا حياة فيها، لكنها مع ذلك ذات قيمة كبيرة، فهي بمواجهة آثار نادرة شاخصة للأبصار منذ نحو إثنا عشر قرناً، وأعتبرتها منظمة اليونسكو مناطق أثرية من الصعب التصرف بها بيعاً وشراءً، لذا فقد طواها النسيان الى أن حرّك مياهها الراكدة عناصر أرادوا الإستيلاء عليها بطريقة التزوير.
(خمسة آلاف دونم)
القضية لا تتعلق بتزوير ملكية بضعة أمتار، بل أجزاء كبيرة من العقار الذي يواجه الصرح الفريد في العالم وهو ملوية سامراء وبمساحة تجاوزت (5000) دونم، أي بما يوازي مساحة مدينة الصدر ببغداد حيث من الصعب الإلمام بحدوده، لكن المزوين ومن ساهم معهم يعلمون جيداً قيمته وكيفية البدء بقضم أجزاء منه وصولاً الى الاستيلاء على كل متر فيه، وهنا الخطر الكامن في إكتشاف تزوير بأرض يتسابق المجرمون للاستيلاء عليها، وقد يفعلوا الكثير وغير المتوقع لتمرير عمليات التزوير تلك.
(كتب تمليك مزورة)
وبحسب المفتش العام لوزارة العدل كريم الغزّي الذي تولى فريق من مكتبه تتبع خيوط عملية التزوير، فأن “العقار ذي أهمية من ناحية كبر المساحة والموقع”. وقال الغزّي: “وصلت معلومات الى مكتب المفتش العام بخصوص تحويل أجزاء من قطعة أرض تبلغ مساحتها (5298) دونماً بأسماء أشخاص وبالإعتماد على كتب تمليك مزورة منسوب إصدارها الى دائرة عقارات الدولة فرع صلاح الدين”. وأضاف “إعتماداً على تلك الكتب وبتعاون مع أطراف في ملاحظية التسجيل العقاري في سامراء فقد تم التلاعب في صفحات السجل الخاص بالعقار وإضافة ثمانية أسماء لأشخاص بهدف الإستيلاء على أجزاء من العقار الذي تعود ملكيته لوزارة المالية، أي أن هناك عمليات تزوير ينبغي وقفها والكشف عن المتسببين بها”.
(موقع أثري)
وفور تشكيل فريق العمل الخاص بهذه القضية، إنتقل أفراده ميدانياً الى العقار الذي يشرف على ملوية سامراء ومواقع أخرى بحسب ما تحدث به المحقق (ث.س) وهو أحد أفراد الفريق، وقال أن “الموقع أثري، ويمتد لمساحات شاسعة جداُ، وكان القلق من أن المزورين قد عبثوا بسجل العقار في ملاحظية التسجيل العقاري بطرق يصعب كشفها، لأن قيمة الدونم الواحد بعشرات الملايين”. وأضاف “توجه الفريق الى الدائرة المذكورة وتم الكشف على إضبارة العقار وتدقيق محتوياتها، والعودة الى السجلات لغرض المطابقة بين الإضبارة والسجل ووجدنا آخر قيد مطابق وهو ما زاد من صعوبة المهمة”. وتابع بالقول “أردنا معرفة كيفية إضافة أسماء المزورين بالتتابع على ملكية العقار، فعدنا الى صفحات السجل الأساس وتتبعنا كيف آلت اليهم تلك العقارات هل بالشراء من عقارات الدولة أم بطرق أخرى، ومع هذا كان حدسنا يقود نحو فرضية حدوث تزوير ضخم أتى على قطعة الأرض الكبيرة تلك”.
(ثمانية مزورين)
ويشير (س.م) وهو عضو آخر في الفريق الى أنه “بعد ساعات من البحث في السجلات والأضابير تم التأكد بأنه لا يوجد سند قانوني لعمليات الإستملاك، وتثبتنا بأن الاسماء الثمانية تمت إضافتها الى صفحة السجل الخاصة بالعقار وقد جرى تزويرها بتعاون مع موظف له سوابق بعمليات التزوير وهو يقضي الآن عقوبة السجن بقضايا سابقة”.
وتابع المحقق (س) حديثه أن “التزوير تم كشفه، لكن لو مضى بصمت دون الاستعانة بمكتب المفتش العام لكان هدراً مالياً كبيراً سيحدث، ناهيك عن القيمة الأخرى للعقار الواقع ضمن المناطق الأثرية المحددة من قبل اليونسكو، أي أن المزورين يعلمون القيمة الحقيقية لذلك العقار، وينتظرون الفرصة المناسبة لتزوير كامل مساحته”.
(سجلات ورقية)
ويبدو أن أسباباً عديدة وراء عملية التزوير في هذا العقار وغيره من العقارات التي تم الإستيلاء عليها خلال السنوات الماضية، إذ تشير المعلومات الى أن العديد من عقارات الدولة قد تم تزوير ملكيتها بأسماء مزورين لمنافع شخصية وبتواطؤ من موظفين أغرتهم الأموال وقاموا بالعبث بعائديتها، لكن الأمر الجيد أن اغلب المزورين تمت إدانتهم وأودعوا السجن، فيما هرب الآخرون لكن القضاء لا يزال يتابعهم.
ومما يسهل من عمليات التزوير هي إستمرار العمل بالوثائق الورقية والسجلات، أي أن بعض أوليات الأملاك عرضة للتحريف والتزوير، ما لم يتم الشروع بصورة جدية بالاجراءات الإلكترونية وإيجاد أنظمة متطورة تساهم في تقليل إستخدام الورق والسجلات والكتابة باليد التي تعدّ إحدى الطرق السهلة للمزورين ومن يساعدهم في الاستيلاء على العقارات.
(مليارات…)
ويتفاقم التزوير في المناطق التي ترتفع أقيام عقاراتها، كما أنه يزداد أيضاً في العقارات ذات المساحات الشاسعة. وتم الإطلاع على قيمة الدونم الواحد للعقار الذي تم الكشف عن عمليات التزوير في أولياته قرب ملوية سامراء، ووفق كتاب دائرة التسجيل العقاري فأن قيمة الدونم الواحد حسب الضوابط المعمول بها مع مديرية ضريبة سامراء تتراوح بين (18-20) مليون دينار، فيما يبلغ سعر الدونم السائد في السوق (50-60) مليون دينار.. ولنترك مخيلة القارئ لحساب قيمة العقار الذي تجاوزت مساحته خمسة آلاف دونم.
(المواجهة مستمرة)
المفتش العام لوزارة العدل أكد “أن ملف القضية احيل الى هيأة النزاهة، وتم إعلام وزارة المالية بضرورة تحريك دعوى جزائية ضد المستفيدين من عملية التزوير، إضافة الى معالجة صفحات السجل المتلاعب بها”. وتابع بالقول “قضية العقار الواقع قرب ملوية سامراء واحدة من مجموعة ملفات فساد عملنا على حلها بالسرعة الممكنة، فبانتظارنا مواجهات مستمرة مع المفسدين، وكل مزور يحاول التحايل بشتى الطرق.. يريدون الفوضى، لكن سلطة القانون ستقول كلمتها الفصل في النهاية”.