هادي جلو مرعي
إتصل بي أحد الزملاء العاملين في قناة فضائية ليعبر عن قلقه من تداعيات تغيير رئيس المؤسسة التي يعمل فيها هو وإخرون يخشون التعرض للتهميش والتنكيل من الإدارة الجديدة وبعض المقربين الذين يعتقدون بمظلوميتهم في المرحلة الماضية، ويريدون تعديل الأوضاع لصالحهم.
ثقافة الإنتقام في العراق اصبحت ثقافة شعبية، ويمكن للناس أن ينساقوا للتدمير والتخريب والقتل والسحل، وقد تكررت حوادث من هذا النوع في فترات تاريخية،ففي عام 1958 تم قتل الأسرة الهاشمية مع إن الشعب العراقي يفاخر بولائه وحبه للهواشم، وجرى التنكيل بأسرة الملك فيصل الثاني، حيث قتل الأطفال والنساء في حديقة قصر الرحاب على يد عصابة مجرمة من الإنقلابيين، ثم تم سحل جثث القتلى من الهاشميين والمسؤولين في الحكومة، والمثير إن الإنقلابيين تصارعوا بينهم، وقتلوا بعضهم البعض، وفي عام 1963 قتل زعيم الإنقلابيين وجماعته على يد إنقلابيين من شاكلتهم، وقطعت أوصالهم، ورميت الجثث في نهر ديالى لتكون طعاما للأسماك.
وكانت العادة تلك تصاحب التحولات الدراماتيكية في هذه البلاد، فينكل بالحكام، ويهان الشعب، ويختلط الحق بالباطل، ولايعود التمييز بين الشريف والوضيع ممكنا، ويكون التشفي والتنكيل مطلبا، ولايهتم الناس ببناء الدولة، وينشغلون بالعشائرية والطائفية والأساطير، ويقدسون الاشخاص، ويستسلمون لعبادة الفرد، ويفسدون في الأرض بحثا عن المال والجاه والسلطة والنفوذ، فلاتعود تستطيع أن تميز بين الوضيع والشريف،فيكون الوضيع شريفا بالقوة، والشريف وضيعا بالإكراه، فتنهار الرغبة في التعمير والبناء، وتمضي الأمور الى الخراب، ولاتعود المؤسسات الرسمية تعمل لصالح الشعب، بل لقوى النفوذ والهيمنة، ويفضل البعض الإنضمام الى المافيات المسيطرة، والقوى المتحكمة، ويغيب العمران في ظل الخراب لأن الناس ينشغلون بتحصيل المكاسب، ويسكرون عن المصائب، وهذا ملموس في العراق، فالمشاريع معطلة، والهدر في المال بلغ مديات مخيفة، والثروات تضيع، ولم تتحسن ظروف العيش، فالكهرباء والماء والعمل والدواء أصبحت من أشكال الرفاهية، وليست حقا طبيعيا يناله المواطن في بلده، حتى إن الزراعة والصناعة والثروات المائية والأراضي الصالحة للإنبات أصبحت في مهب الريح لغياب الرؤية الواضحة، وإنعدام التخطيط، والجميع متشبث بمنصبه، والوزير والمسؤول إنما يأتي ليحقق مكسبا ما، ويقضي أربعة سنوات في الفوضى، وإنفاق الميزانية، ولانرى منه، ومن وزارته مايبعث على الثقة، أو مايكون واقعا على الأرض.
يبدو إن الجميع قرر تدمير العراق.الشعب والأحزاب والحكومة، وإذا إجتمع قوم على خراب وطنهم، فلايصلحه غيرهم، بل يستغل الأعداء والجيران ضعفهم لينهبوه، ويستولوا على خيراته، ويحولوا سياسييه الى عبيد، أو أجراء، ولايعودون سادة أنفسهم، أو أصحاب القرار في وطنهم الذي بيع لغيرهم بثمن بخس.