تحياتنا الخالصة ..
عندما اتصلت بي قبل ٣ سنوات احد الناشطات المدنيات طالبة ” منا لقاء خالتها ودعتنا على غداء ، اعتذرت في البداية ولكني قلبت ان ازوهم على لقاء شاي عراقي مهيل ..عندما التقيت عراقية ستينية العمر ، كانت مديرة مدرسة متقاعدة ، تسكن معها بنت اختها بعد ان سافر ابنائها ، البنت الى استراليا مع زوجها ، والابن الاول الى كندا والاخر الى نيوزلندا ..كانت تطلب مني حينها ان اكتب لهم ان يعودون الى عراقهم وامهم المريضة التي تنتظر لقاء ربها ..
قلت لها : ابناءك بعيدين عن اقدار الارهاب و تفجيراتها ، فكم حسينية وكم جامع دخل الارهابيون فيهم يقتلون المصلين ثم يفجرون اجسادهم النتنة ؟؟!!، وهل سلم زوار الحسين في الاربعينات و عاشوراء و زوار الامام الكاظم من الانتحاريين و هل نسيت ان ضحايا جسر الائمة تجاوز الالف شهيد في زيارة ذكرى استشهاد الامام الكاظم؟؟!!!، وكم شهيد سقط من زوار الامامين العسكرين والذي لم يسلم مقامهما وضريحهما من التفجير الارهابي اللعين والذي احدث الفتنة المدمرة ؟؟؟؟!!!!.. كنت اتحدث لاقول للسيدة العراقية المكسورة : اترك ابنأئك بسلام ، وانا ارى الحزن مرسوم على وجهها ودموعها تنهمر لترسم نهير الماء على خديها المجعدة من الزمن والالم والفراق …وبالرغم انها حملتني ان اراسل ابنائها لاقنعهم بان يعودوا لان الموت لا يختص بارض بل يدرككم الموت ولو كنتم في كندا او استراليا او نيوزلندا واشكلتني الذمة وانا حزين لحزنها ومكسور في داخلي لفراق هذه السيدة لابنائها…وبكيت في خميس لا انساها وكنت حينها صائما” لاني سمعت ان هذه المرأة قد توفت الى رحمة الله و لم يحضر لفاتحتها ابنائها سوى بنتها بعد اسبوع وابنها بعد اسبوعين بينما ارسل الثالث وكالة لشقيقه لاخراج القسام الشرعي و تقسيم التركة ، وكانت المي وحزني عندما ابلغتني بنت اخيها انها قالت لها ابلغي د.ضياء كان املي بك بعد الله ولكن د.ضياء لم يوافني ، و لم يكن لي غيره، وانا اكتب هذه الكلمات يعلم الله ان دموعي لا استطيع ان اسيطر عليها.. رحلت ولم يسلم ابنها من خطر نيوزلندا..
في بيركلي في امريكا كنت قد القيت دراستي المشترك معي بها زميلي وصديقي وطالبي د.اياد صليبي وهو بروفسور ميه وبيئة ايضا”، حول ( الرصد المجتمعي لتقبل المجتمع البغدادي لتدوير المياه الرمادية المعالجة ) .كان احد مدراء الشركات الكبرى في محطات معالجة المياه يناقشني على جملة ملحوظات لديه ، عندما تدخلت امراة شقراء اربعينية العمر لترافقني الى طاولة ومعها قدح القهوة الامريكية الذي لا يتلائم و ضعف قلبي وكنت تسألني عن التنوع البيئي في العراق ..تبين ان الشقراء من نيوزلندا وتهتم بالتنوع البيئي وتظن ان امكانياتي كبيرة لتستفيد مني . لم ارتاح للشقراء عندما علمت انها من الذين يديرون برنامج للحفاظ على الزواحف ومنهن ( ابو بريص) الذي في نيوزلندا اكثر من ٢٠ نوع في بلد تقول الاجمل في العالم الذي تستغل شركات هوليود طبيعته البكر في تصوير الافلام الضخمة التي تحصد الاوسكار ، ولنفس السبب فان بلدها يحتكر ثلث منتجات الالبان ومن البلدان المصدرة للحوم والمنتجات الزراعية و الاسماك والاحياء البحرية ..كنت اظن نيوزلندا بريطانية والتي هي جزء من حكم التاج البريطاني، تبين انها مكونة من ٧٥٪ من اوربيين المسحيين و ٥٪ من المهاجرين الاسيويين من البوذيين و السيخ والمسلمين و قرابة ٢٠٪ من المواري وهم السكان الاصليين والذين تجمعهم تراث قبلي وليس لديهم دين او عقيدة …وبالرغم من ان
نيوزلندا من اكتشفها الهولنديين قبل ٥ قرون وان تسميتها جاءت عندما سموها زلندة الجديدة نسبة الى مقاطعة زلندة الهولندية الجميلة الا انها بريطانية التبعية ..قالت ان نيوزلندا الاولى في التعليم و انعدام الامية و التامين الصحي والشفافية وانعدام الفساد و الرفاهية وارتفاع دخل الفرد الذي يتراوح الدخل سنويأ” بين ٣٠ الف الى ٤٠ الف دولار للفرد وان فيها فرص العمل فيها متاحة ف نفوسها سيتجاوز في ٢٠٢٠ خمسة مليون ومساحتها اكبر من المانيا و اقل من مساحة ايطاليا وتقترب من مساحة بريطانيا ، فهي قارة مغمورة لا تبعد سوى ١٥٠٠ كم عن استراليا …
كرهت الشقراء عندما قالت ان نيوزلندا له دور في العالم والشرق الاوسط ، حيث شارك عمها في حرب العلمين قرب الاسكندرية في الحرب العالمية الثانية و ابوها كان طيار وضرب القوات المصرية في ١٩٥٦ ابان حرب قناة السويس حيث شاركت نيوزلندا مع فرنسا واسرائيل وضمن الجيش البريطاني. وكان الجيش النيوزلندي مع الجيش الامريكي في كوريا وفيتنام وفي الحرب ضد العراق في ١٩٩١ وفي ٢٠٠٣.
لم اطيق ان اكمل معها بالرغم انها كانت تقول ان السيدات هن من يحكمن نيوزلندا من الملكة لرئيسة الوزراء الى الوزيرات الى مديرة الشرطة . تركتها ولكني احرجتها عندما قلت لها : ليس لنا معكم عداء تاريخي و لم نحاربكم على مر التاريخي و انا متأكد ان معظم العراقيين لا يعرفونكم كدولة و لا يعرفون اين تكونون وانتم تاتون من اقصى القطب الجنوبي لتقول لي : انكم دخلتم مع الامريكان بغداد!!!!؟ ، كيف تتوقعيين ان اتقبل غبطتك وانت قتلت من اهلنا ؟؟!!، هل كنت تقبلين ان اتفاخر بدخولي عاصمتكم وقاتل نيوزلينديين ؟؟؟!!!!، احسست بتضايقها و امتعاضها من ردي…
لن يكونوا المسلمين ومنهم العراقيين بمأمن من الاوربيين والبورميين و الصينيين والامريكيين و اليهود المتطرفين ،مثلما لم يكونوا بسلام مع العقول الحقودة والقلوب السوداء من الذين يدعون الاسلام و نصرة الدين او المذهب او الجماعة..
لنا وللعراقيين الله الحافظ الحامي والحارس ..
أ.د.ضياء واجد المهندس
مجلس الخبراء العراقي