تحياتنا الخالصة…
قبل اسبوع ، كنت في جلسة حوارية خاصة ضمت نواب سابقين وشخصيات سياسية مهمة تناولت الوضع العراقي وتداعياته المأسوية..
قال احدهم : ان المشكلة الرئيسية تكمن في الفساد وشيوعه في كل مرافق الدولة والمجتمع حتى اصبح اجتثاثه أمرا” اقرب للمستحيل في ظل فساد الرقيب..قال اخر: ان السوء كله في ضعف الدولة و انتشار السلاح خارج سيطرة الدولة و نفوذ الفصائل المسلحة و اعتمادها سياسة الاستثمارات و العمولات بطريقة جباية الاتاوات وغياب الصوت الحر والمعارض الذي لايمكن ان يعلو في ظل هيمنة السلاح وغياب القانون وضعف السلطة وفسادها ..
قال احد النواب السابقين: المشكلة في المجتمع ، لا يحسن اختيار قادته ، ويرضى بالتلاعب والتزوير ، ويقبل بالانحراف والمحسوبية والفساد وبيع المناصب ، وانجرف الى العشائرية والطائفية ، و غرق في النزعات وركن الى الكسل والحصول على المنح و البحث عن الاعمال الحكومية الوهمية لمجرد الرواتب او التقاعد حتى غزانا البنغال و الافارقة والسوريين ووو….قال نائب اخر : المشكلة الرئيسية هي في تكالب الكبار علينا فامريكا لا تريد ان تترك العراق وشأنه ،والايرانيون يريدونا سوق لتقوية اقتصادهم و تشغيل عاطليهم و تعزيز نفوذهم وهكذا يفعل الاشقاء الذين يريدون ان يمصون نفطنا مثلما يمص دراكاولا الدماء ، لنكون ترياق لاوضاعهم الاقتصادية الخطرة..تحدث نأئب اخر عن ابتعاد المجتمع عن الدين والاخلاق و شيوع التجاوز والفوضى و انتشار المخدرات والدعارة والشذوذ الجنسي والجريمة ..كنت التزمت الصمت فما قالوه صحيح ، ولكن عندما الح احد الاخوان في ان اقول رأيي تذكرت احد اصدقائي القدامى وهو (ابو امل )..فقلت لهم : مشكلتنا ،انكم قتلتم الامل فينا ، كلنا نشطب الايام لننتظر قدرنا ، حتى من كان يفكر في الابداع والابتكار والريادة ،امسى يفكر كيف يقضي يومه سالما” من الابتزاز ، امنأ” من الارهاب والجريمة وسوء السلوك المجتمعي وووو….
كان( ابو امل) رجل اعمال ميسور الحال ،مشكلته هو مرض زوجته بعد ان انجبت له ابنته الوحيدة ( امل ). تدهور وضع (ابو امل) الاقتصادي بفعل السياسة الاقتصادية الرشيدة لحكومات ما بعد ٢٠٠٣ وتفشي الفساد و سيطرة المنتوج الاجنبي الرخيص، واغراق دول الجوار بمنتوجاتهم البخسة لتدمير المنتوج العراقي …اخر مرة التقيت ابو امل في بيته المؤجر قبل ان يخليه لينتقل الى اربيل في رحلة الى المانيا عبر بحر ايجة وكان كما قال لي يتعلم السباحة لضرورة التهريب بالقوارب المطاطية الى اليونان كمحطة اولى …اتذكر كيف غرقت عينيه بالدمع وهو يحتضن بنته المدللة( امل) التي لا تفارقه مثل ظله ..عندما سئلته لماذا حزنه وبكائه، قال : كيف ممكن ان تعيش امل بدوني ، ومن الذي يتكفل بها ، امها لا تستطيع ان تحرك نفسها ، و اوضاعنا تتدهور كل يوم ، و ما تفكيري للهجرة الى المانيا الا لظروف انت اكدتها ، من حيث مجانية التعليم لحد الجامعة و التأمين الصحي المجاني للفقراء و الرعاية الاجتماعية للجميع ، وحكومة لا يتسلط فيها وزير او نائب و لا يسود فيها الا القانون و لا يستطيع ان يخالف فيها الا المعتوه..قلت : لامل ولنا الله الذي خلقنا يرزقنا ويرعانا… عندما سئلت بعد اشهر من العائدين من تركيا والذين فشلوا في عمليات التهريب، عن (ابو امل) وعائلته ،تضاربت الاقاويل ، فمنهم من قال ان ابو امل غرق ونجت عائلته واخرين اكدوا ان الطفلة ( امل ) قد ابتلعها البحر الابيض المتوسط وابوها انتشلوه أليونانيين….لقد قتلنا امل ، واصبح البحر والنهر تابوتنا ، فعندما اعدم الارهابيون شهداءسبايكر و القصور الرئاسية في تكريت اغرقوهم في نهر دجلة ، حتى ان نهري دجلة و الفرات سيكونان حاضرين يوم الحشر ليخرج منهما شهداء الارهاب و الاحتلال والطاغية المقبور …
المرتشي في المانيا يتم حرمانه من القروض والتسهيلات و تصادر امواله الائتمانية و يحذف من سجل الرعاية الاجتماعية و يلغى عنه التقاعد ، وقد ياتي يوم في العراق ولو بعد الف سنة و نطبق القانون عن المرتشين واصحاب اللجان الاقتصادية ، ولكن كيف نحي الامل في بلد انقرض فيه ، ولا سبيل للعمل على احياء الامل في ظل حكم طغى بلا خجل..
لنا وللعراق الرب الغفور الرحيم
أ.د.ضياء واجد المهندس
مجلس الخبراء العراقي