تحياتنا الخالصة ..
قبل ٣ سنوات اتصلت بي شابة من احد المحافظات شمال بغداد ،كانت طالبة في جامعة بغداد واكملت بدرسين في الصف الثالث ، ولم تستطع الامتحانات بسبب وفاة عائلتها بحادث طريق ،ذهب ضحيتها والديها و شقيقها ولم تكن معهم حيث كانت في بيت خالتها ..طلبت ان اجد وسيلة لتمتحن بعد ان فاتها الامتحان وكان ذلك مستحيلا”..
كنت حينها اتواصل بالفيسبوك وكنا نعد دعم لبعض المرشحين بالانتخابات، كانت تكتب لي معلقة على بعض كتاباتي و تطلب ان اقلل حدة طرحي لان محاربة الفساد مكلف في وطن اصبح رهينة بايديهم ولان الناس لا يستحقون التضحية ..كانت تشكو من صحتها وقد صرحت عن مشاكل في قلبها منذ الولادة و مشاكل بدات تظهر بعد وفاة اهلها وانتقالها للعيش مع خالتها وعائلتها المثقلة بالبنات والفقر لان زوج خالتها يعمل نجار في بلد ترك النجارة والصناعة واصبح اسير البضائع الاجنبية ..
غابت فترة بسبب تدهور صحتها لنهم يشكون بالمرض البعيد في الدم ويقصد به السرطان ( اللوكيميا) وانها لا تستطيع ان تراجع الاطباء لعدم تمكنها ماديا”..ولانها لا تملك موبايل ،والاتصال بها يتم عبر الماسنجر لبنت خالتها الذي فتح من خلالها حساب ( رحماك ربي) ، ارسلت رقم احد الاخوات لتتصل بها من اي موبايل لتقوم باصطحابها واجراء فحوصات في بغداد بعد ان طلبت من احدى الاخوات في وزارة الصحة لمتابعة فحوصاتها في المستشفيات الاهلية ،ومن صديق ، زوجته متخصصة في القلب، وطلبت منها ان تجري لها ما يستوجب من تحاليل وفحوصات وان يرسلوا التكاليف لي لادفعها، وللامانة ان الجميع لم يتردد في المساعدة بعد ان عرف تفاصيل حالتها ..رفضت الشابة ذات ٢٣ ربيعا” ذلك ، وطلبت ان نعقد صفقة ،حيث تهبني نفسها باي زواج شرعي منقطع مقابل العلاج وانها جميلة وجسدها يتحمل المتعة ، فان تم شفاءها اصبحت مخير بين ابقاءها او عتقها ، اما اذا قضى اجلها بكتاب من رب رحيم ،فانها سددت جزء من علاجها و علي ابراء ذمتها..
كتبت لها بلهجة قاسية موبخا” اياها عن صفقتها ، فلست رجل متعة او انسان تقوده عربة الرغبة والشهوة وقد بلغت من العمر عتيا .. لا اعرف كم كنت قاسي عندما قلت لها لست من ابناء الشوارع لاقضي عمري اضاجع بنات على فراش الموت تصارع ، فلو احببت المتعة لقضيتها مع بائعات الهوى و بنات الليل و ما اكثرهن في ظل ديمقراطية التوافق و محاصصة السراق .. غابت عني الفتاة المستهلكة بالالم و الضنك ، ولكنها اتصلت بعد اسابيع لتبلغني ان حالتها ساءت وان عرضها بالمتعة مقابل العلاج لم يعد قائما” لان جسدها لن يتحمل المتعة ،لانها لم تعد الكتابة على الحاسوب ، فان غابت عني و لم اجد حسابها فانها تكون قد انتقلت الى رحمة الله بجوار رب كريم …قلت لها سارسل لك اخت متطوعة و ستتكفل بعلاجك ان لم ترغب بان اكون من الراعين ، قالت بحسرة : لست متسولة ، فانا بنت عائلة و والدي مقاول ،حرمنا العبادي من حقوقنا رغم ان والدي كمل جزء كبير من المشروع المتعاقد به مع الحكومة …انشغلت بامور كثيرة و نسيتها و لم ارى لها اي اتصال ، وتيقنت انها رحلت تاركة الالم والهم والحسرة في بلد الحزن والمعاناة …كنا في نهاية السبعينات قد انجزنا التامين الصحي المجاني لكل العراقيين ، وكانت المراكز الصحية بدأت تغزو كل الاقضية والنواحي ، وكانت صناعة الادوية في سامراء لها الريادة مفضلة حتى على الادوية الاوربية والامريكية وكانوا اطبائنا من الطراز الاول ومن القلوب الرحيمة و يتوافد علينا المرضى من كل الانحاء للعلاج والجراحة ..اصبحنا بلا تامين صحي ، ومستشفيات وهمية و اطباء جلهم من الذين يبحثون عن المردود المالي العالي و يصرفون ادوية وهمية من فيتامينات ومكملات غذائية بالاتفاق مع مندوبي شركات الادوية و يفحصون في مختبرات هزيلة للطبيب له نسبة، وبعضهم يجري عمليات في مستشفيات اهلية لا داعي لها ، بل انهم يشفرون وصفاتهم الطبية ليصرفوها من صيدليات تمنحهم نسبة ..هذا لا يعني ان الرحمة قد غابت عن الجميع ، لاني كنت شاهد على طبيب صديق كنا خارجين من عيادته كنت قد زرته لمعاينة الالام في صدري ،رايته يمتنع عن استلام اجور المعاينة ، ثم جلب الدواء من الصيدلية من حسابه الى مريضة .عندما سئلته عن السبب ، قال : المريضة لا تقوى على الحركة ولكنها نزلت من سيارة نقل عامة ( كيا ) ، وزوجها لا يستطيع ان يدفع اجرة التاكسي لانه عامل ولم يعمل منذ اسابيع وقد استدان مبلغ ليأتي بها للعلاج..وبالرغم ان صديقي ليس متدينا” لكنه انسان باخلاق الانبياء…يقولون ان هناك مستشفيات فضائية و اطباء و ممرضين وهميين وعلاجاتنا منتهية الصلاحية و بعضها مجرد علامة تجارية و ورقة مواصفات وتعليمات لان الدواء تم تقليده في عرض البحر من حيث الشكل لا من حيث التركيبة …
سنقف بين يدي رب جبار قهار يوم لا ينفع مال ولا صيدلية ولا مستشفى الا من احيا نفسا” فكانما احيا الناس جميعا” و هم له شهود عند رب معبود في يوم مشهود …
اللهم ازرع الرحمة في قلوب ولاتنا ولو بحبة ..
اللهم شافي مرضانا وارحم موتانا واغفر لنا ، ولاتجعلنا مع من تسلط علينا يوم نحشر بين يديك..
أ.د.ضياء واجد المهندس
مجلس الخبراء العراقي