أ.د.ضياء واجد المهندس
كان الوقت قد اجتاز الغروب في نهاية التسعينات ، عندما طرق موظف في مكتب معاون العميد الاداري لكلية الهندسة في الجامعة المستنصرية باب القاعة التي كنت القي محاضرتي فيها لطلبة الصف الثالث مدني مسائي، طلب مني هامسا” باذني ان اترك الكلية بسرعة ( افلت) ، لان ضابط امن يريد مرافقتي الى الامن العامة ..
انتظرت طويلا” صديقي المعاون في مكتب اخوانه على مسافة ليست ببعيدة عن الكلية في باب المعظم عند بداية الكفاح ، والمعاون الان استاذ في سلطنة عمان ترك العراق بعد ان نجاه الله من عملية خطف قرب بيتي عندما سكن بجواري قبل عقد من السنين …بعد ساعة جاء صديقي المعاون وقال: ان ضابط امن واسمه ملازم خالد من ديالى جاء ليأخذك الى الامن العامة، وقد قابل العميد، و عندما ابلغته انك غير موجود، طلب ابلاغه بوجودي ليصحبني باليوم التالي الى الامن..
اتصلت بمجموعة اصدقاء ليعرفون سبب استدعائي، و تبين ان تكليفات ضباط الامن قد تغيرت وان حملات قوية للضباط الجدد قد كشفت انتشار الكتب الدينية المعادية ( للحزب والثورة ) ،وان معظم هذه المكاتب تعود الى استاذ في هندسة المستنصرية (اسمه ضياء واجد)…
كان خالي مسوؤل امن وزارة مهمة ، رافقته الى بيته ثم ذهبنا صديقه ورفيقه بالحزب وهو برتبة اللواء ويشغل مدير الامور الفنية بالامن العامة وقد ابدى اللواء تعاونه في ان يتصل بمدير الاعلام السياسي لايجاد مخرج ، وقام احد الاصدقاء بالاتصال ب ابن مدير امن ذي قار السابق الذي تم قتله في انتفاضة ١٩٩١ وكان له علاقة بمكتب مدير الامن العام، وعندما التقيت الشاب تبين انه من طلابي في الهندسة المدنية ..
ذهبت الى الامن العامة في البلديات، تم ادخالي الى غرفة التحقيقات خلف الاستعلامات ، وفي كل مرة ارجع الى الكلية بعد ان يتلقوا اتصالات من اصدقاءنا المتنفذين، ولان الملازم خالد في واجب. فقد كنت ادفع لكل ضباط الامن المسوؤلين على مكاتب باب المعظم لكي لا يعتقلوا العاملين الفقراء الذين كانوا يستنسخون الكتب الدينية ليستطيعوا مجاراة الغلاء والحصار .. في اخر استدعاء ذهبت لالتقي ملازم خالد شاب في نهاية العشيرينات ذو ملاحم لايمكن ان يرتاح لها اي شخص يقابله ..كان يعرف عني كل شيء من السؤال عني في الكلية و المكاتب والامن ، فانا لا املك مكتب للاستنساخ بل اؤجر المحلات ك مكاتب ماعدا مكتب ( الاستاذ الجامعي ) الذي هو مسجل لتجارة اجهزة الاستنساخ وادواتها الاحتياطية و القرطاسية ..بالرغم من ان اجاباتي مقنعة وليست لديهم ادلة على ان مكاتب باب المعظم والشعب والطالبية وحي الصحة التي داهموها ومسكوا احد العاملين فيها، لي علاقة بعملهم ..في نهاية التحقيق ، تبين ان الملازم كان مصر على ايداعي السجن ..قام برفع قمصلتي الجلد لتغطي راسي وتعلق يدي الى الاعلى من المفصل ، وطلب ان انظر الى الاسفل و مضى بي الى بناية مغلقة .عندما طرق الملازم خالد الباب خرج احد الضباط ، وعندها قال الملازم : سيدي ، نريد اعتراف من المتهم هو استاذ بالجامعة وهو من جماعة ( السطل) وتبين بعد من الاستفسار انه يقصد السيد الصدر رحمه الله وعنده اقارب بالدعوة..طلب النقيب ان اعيد القمصلة الى وضعها عندما دخلني الى ممر ثم اجلسني بغرفة تبدو لراحة الضباط..
قال: الله بالخير استاذ ضياء ، قلت : الله بالخير ..قال النقيب : الم تعرفني ؟؟؟!!!، انت درست شقيقي عبد الكريم قبل ٤ سنوات ، وجئتك وقتها لتمتحنه لكونه قد اجرى عملية ولم يمتحن ، وامتحنته بالرغم من ان رئيس القسم وباقي الاساتذة لباقي الدروس لم يمتحنوه.. بالحقيقة اني لم اتذكر شيء بعد ان دخلت بناية التعذيب ولكني ادعيت تذكره .قال النقيب : عندما تركت شقيقي بغرفتك بعد ان اعطيته الاسئلة وتركته لتذهب لمحاضرة ،عندها قلت ل عبد الكريم ان استاذ ضياء يريد ان ينجحك لانه سمحلك تفتح الكتاب والمحاضرات ، لكن تفاجئت ان عبد الكريم رسب ونجح في الدور الثاني ، ولكن رغم رسوبه بدرسك فهو يحبك كثيرا ..قلت : حضرة النقيب ، الان ماهو الاجراء الذي سيتخذ ضدي؟؟؟، قال النقيب: خالد ( دودة ) وهذا لقبه لكونه من الشاذين ،هو ضابط مرتشي . ستبقى هنا وساودعك الموقف ( السجن ) عند نهاية الدوام ..
رافقني النقيب بعد بضع ساعات ، استضافني بلياقة وادب كرد جميل لما فعلته له ولشقيقه منذ سنوات بالرغم من انه المفروض يعذبني . وبعدها رافقني الى الموقف وانا مقيد بقمصلتي كما دخلت ، وحين وصلنا بناية الموقف ، سلمت كل مافي جيوبي والحزام والمحفظة ،ثم توجهت الى السجن وكان النقيب قد صاح على احد الاشخاص وهو من النزلاء ومسوؤل عن داخل السجن : قال النقيب :هذا استاذ ضياء بكلية الهندسة و كل المخابرات والامن يمه و هو هنا لبضعة ايام ، اريدك توفر افضل مكان ، واي مشكلة للاستاذ انت مسوؤل امامي ..
ودعت النقيب لادخل في احد المحاجر، وهي عبارة عن قفص حديد كبير فيه نزلاء من ١٠ الى١٥ ومراقب بكاميرات..كان المكان الذي وضعوني فيه يضم مجموعة من الصدريين تم اعتقالهم على ضوء خلاف على حسينية او جامع في منطقة الرشاد ، بينهم شيخ التقيت به بعد السجن في سوريا وبعدها في جامع المحسن بعد سقوط الصنم في مدينة الصدر واخر طبيب من بابل وووو….كان بعض النزلاء من الذين اعرفهم ، واحد سبق ان استاجر احد مكاتبي ، اشرت اليه بان لا يقترب مني و اخر كان من المعارف الذي حاول الهروب الى الاردن بجواز مزور..
شاع في السجن باني ضالط مخابرات وتم ارسالي لمعرفة اوضاع السجن كما قال لي احد معارفي الذي نصحني بعدم الحديث عن سبب اعتقالي ، واصبحت استقبل النزلاء ليحكون قصصهم والظلم الذي وقع عليهم ..والطريف ان احدهم سالني قائلا”: ذاك مدير السجون كان يبدل المساجين الاغنياء بمجانين من مستشفى الشماعية والذي مديره هناك ، وذاك مسوؤل البطاقة التمونية في التجارة ، وذاك مدير الصحه وبجانبه مدير توزيع الادوية ، وذاك مساعد وزير الخارجية ، وذاك مدير تسجيل التكنولوجية متهم بتزوير الشهادات و ذاك مدير التربية مهرب اسئلة وذاك مدير بالداخلية مرتشي من مهربين من السجون وهذا معاون عميد كلية الزراعة مسجون لان طالب لبس بدلة زفاف عروسة بحفل تخرج وووووو.استطرد قائلا” : الحكومة كلها هنا .شنو صدام لوحده يشتغل بره السجن.
.كان عايد احد السجناء الذي مر عليه سنتين في الموقف ، وهو شاهد في قضية تسليب ضابط ناصري من تكريت ،وتم انهاء التحقيق الا ان اهل القتيل التكتريتي اشتكو عند صدام متهمين الجميع بالقتل والتلاعب بالتحقيق مطالبين باعادة التحقيق ، فاصدر صدام امر بايقاف كل من ورد اسمه بالدعوة ..بالرغم من ان الكل يعرف ان عايد مجرد شاهد الا انه لا يجرأ احد على قول المعلومة ل صدام .طلب مني عايد ان اوصل جملة لمن يوصلها لصدام :
عايد شاهد ياريسي القايد،
بعد بضع ايام تم ارسالي الى قاضي الامن الذي طلب الاوليات والمعلومات من الكلية عني ، وبعد اسبوعين تم اطلاق سراحي بالرغم انه في البداية طلب كفالة الا ان تقرير الملازم خالد عني ومحاولته ايذأئي بشكل غير طبيعي دفع بالقاضي الى الغاء الاجراءات ،وطلب مني القاضي ان لا احتك بضباط الامن مرة اخرى لان الامور تسوء بشكل كبير وانه في المرة القادمة لا يستطع ان يطلق سراحي بل يحيليني الى المحكمة الخاصة..
خرجت من الموقف، والكل ينادي مشكول الذمة ان لم تنقل مظلومياتنا…
دخلت غرفة ضابط الموقف لاستلم اغراضي من الامانات واوقع على استمارة اطلاق السراح …في هذا المكان حدث امامي ما اعتبره اسوء ايام حياتي و سارويه لاحقا”..