الجمعة , 22 نوفمبر 2024

كربلاء .. بوابة السماء ..

أ.د.ضياء واجد المهندس

 

كانت احد نوافذي لبيع القرطاسية وتجهيز المكتبيات والاحبار امراة سامرائية تدعى ( ليلى) ،طيبة القلب، حسنة المعشر ، ذات وجه مبتسم ، تعمل مع فتاة في نهاية العشيرينات تدعى ( اسيا) ، خريجة اداب ، حادة الطبع ، لم ارها في يوم تضع مكياج او تتزين ، تقضي فراغها في قراءة الكتب التي تستعيرها من جارنا ( ابو علي ) صاحب محل لبيع الكتب في باب المعظم شارع المكاتب..كانت حدة الخلافات بيني وبين اسيا كبيرة ، فهي تحسب الامور بالمسطرة، و البيع والشراء بمقياس مادي دون مراعاة لظروف الناس والخواطر ..كنت في نهاية كل اسبوع ،التقيهم لاستحصال مبالغ تسديدات الوكلاء والزبائن الذين ينتظروني للحصول على خصومات او تخفيضات، وهذا كان يغضب اسيا الذي كانت تعتبره تجاوزا” لها وعليهاً..وذات مرة ، قالت لي غاضبة : قد تكون تفهم في الهندسة وهذا لست متاكدة منه ، ولكني متاكدة انك غشيم في التجارة ، لان الكثير يستغفلك و يعبر عليك المسكنة …كان ردي قاسيا” : انت موظفة تعملين بطريقتي ، والمال مالي ، ولا داعي لتنصحيني كيف اعمل ؟؟؟!!.اخذت اسيا حقيبتها و ذهبت تاركا” العمل ودموعها في عينييها ..في اليوم التالي جائتني ليلى لتطلب اعادة اسيا للعمل ، لانها بحاجة للعمل اقتصاديا ونفسيا و لانها لا ترتاح لبقائها بالبيت ، وهي تتصرف من حرصها علي وعلى مالي ..قلت ل ليلى : لكنني لن اطردها ولكن لتعد ..في اليوم التالي جاءت ليلى واسيا لتصفية الامور ، وكان اللقاء هادىء ، وقلت لها :اني سمعت ان افضل طريقة لاخماد عصبية وازالة هم ابن ادم ان تودعه عند الامام الحسين (ع).. والمفاجاءة كانت ان اتفقت الاثنتان على ان نذهب الى كربلاء لزيارة الحسين ..
كانت علاقتي باهل ليلى واخواتها الاثنين علاقة عائلية حميمية ، ولان شقيقهم الاكبر اسمه ضياء ، فقد كان يظن الجميع اني شقيقهم، ناهيك عن انهن يشركني بكل مشاكلهن وامورهن العائلية و العملية ..في اليوم التالي ، جائتني ليلى لتبلغني: ان امها واختها (ام عمر ) سيكونن معنا في زيارة سيد الشهداء (ع) ، واتفقنا على الاتفاق مع سائق سيارة اجرة ليقلنا الى كربلاء ويرجعنا الى دارنا يوم الجمعة .. كانت اوضاع البلد مقلقة لان الجميع عاد الى الدوام بعد احداث ١٩٩١، ولم يكن ببالي ان اوضاع كربلاء الامنية خطرة وان الزيارة شبه ممنوعة ش. في الصباح الباكر من يوم الجمعة ، وصلت سيارة برازيلي زرقاء موديل (١٩٨٦) ،عائدة لام عمر وهي شقيقة ليلى و معهن امهن السيدة الضعيفة الذي انهكها الزمن واوضاع العراق . سلمت عليهم وسالتهم عن سبب غياب اسيا و عدم مجيء سيارة الاجرة..تبين ان اهل اسيا خافوا عليها من اوضاع كربلاء الامنية و اعتذر السائق لنفس السبب.. طلبت منهن دقائق الى البيت لاجلب فواكهة و حلويات ، وبالرغم من انهن جلبن كل شيء ،الا اني نزلت و دخلت الدار لاجلب مسدسي وهو (برونيك ١٣)، وجلبت فاكهة وحلوى . قامت ام عمر وليلي بترتيب الامتعة والاطعمة في الصندوق ، و وضعت المسدس تحت الكرسي الامامي بجوار السائق ، وكنت اظن ان لم يرني احد ، ولكن تبين ان الام راتني وسكتت ..
انطلقنا بعد ان قالت الام: اقرأوا الفاتحة على روح ام البنين ، وعلى امتداد الطريق ، كانت السيطرات من الرفاق البعثيين ومن الحرس ، وكانت هويتي الجامعية بيدي و مجاملة الام للمفتشين والدعاء لهم لتسهيل مرورنا الى ان دخلنا كربلاء ووصلنا ضريح الامام الحسين (ع)..كان اختيارنا لايقاف السيارة يثير الشبهة ،ولكن مضينا لدخول الضريح وكان التفتيش و ابراز هوية الاحوال يطلبه الضابط والجندي في كل مكان …عندما دخلنا كان الامام وجدناه شبه خال من الزوار، والموجودن داخل الضريح هم من الامن ،واضح من شكلهم وهيئتهم و حتى الكليدار كان يراقبنا ..كانت اثار قذائف الحرس بارزة في مقامات سيدنا الحسين (ع) واخيه ابو الفضل العباس ،بالرغم انهم غطوه بقماش وكانهم يريدون ان يحجبوا نور الشمس بايديهم .
عندما مسكت شباك سيد الشهداء ، قلت : احاطوا بك ليسجنوك ويمنعوا محبيك وانت في قلوبهم وهم المسجونون بخوفهم وبغضهم و سيقلبها عليهم ربنا الجبار العظيم..
عندما انهينا الزيارة ، كان الجميع ينظر الينا ، الا ان احدهم تبعنا ، وعند السيارة وعند جلوسنا ، قال لام عمر : افتح الصندوق..،عادت ام عمر لتجلس على كرسي القيادة بعد ان اكمل الفحص ، ولكن الجندي فتح بابي ومد يده تحت الكرسي ليخرج المسدس.لم يرفع المسدس عاليا”، قال : هذا شنو ؟؟!!!!، قلت : اخواتك وياي ، والطريق تعرفه خطر ، لازم اكون مسلح وانا استاذ جامعي ، العرض والشرف غالي ..تدخلت السيدة الام : ابني انت من الضلوعية ؟ ، قال : نعم .شمدريك ؟! ، قالت : عيالي من الضلوعية ، تعرف بيت (كوان ) ، ووو حتى وصلت الى اسم ،قال هذا الشيخ عم والدي.. ثم التفت لي : اريد اجازة السلاح!!!!، اخرجت محفظتي ثم اخرجت هويتي الجامعية وهوية نقابة المهندسين منها ، واعطيته المحفظة .قلت له : الاجازة في المحفظة .تطلع الى المحفظة الحبلى بالنقود و ادخلها في ردنه وترك المسدس..
صاح الضابط: يول يا صديد ، شكو ؟؟؟، قال : كرايب ، قال الضابط : يول ،شيسون هين كرابتك ؟؟؟!!
انطلقنا واصفرار وجوهنا ظاهر للعيان بالرغم ان السيدة الام كانت تجامل الجندي والضابط وتدعي لهم ..
عند العودة ، وبعد نصف ساعة ، عرجنا على منطقة خضراء مفتوحة ،و جلسنا على بساط افترشناه ،و قامت الاخوات باعداد المائدة من الدولمة والبرياني والكبب الى حد ابريق (ترمز) الشاي..الكل بدا يسرد خوفه و تزايد نبض قلبه ، بينما بدات ليلى ب لومي على جلب السلاح ،فالله حامينا ولا داعي للمسدس ، وانها لو كانت تعرف باني جلبته لمنعتني ..قالت السيدة الام : ما كنت خائفة والله شاهد، لاني طلبت من اخو زينب وقلت : يا اخ زينب ،جائناك زائرين ،متقربين بك الى الله ، فبجاهك ومقامك ياسيد الشهداء وسيد شباب اهل الجنة ان تخصنا عند الله بالامن والامن
.اللهم بحق محمد وال محمد وبحق الحسين و ولده وبحق خديجة وفاطمة و زينب اعمي من يريدون ب ابننا سوء ، احفظه من شرورهم ، فما لنا سواك ، انت الحافظ والحامي والساتر والناصر ..قلت ام عمر مازحة : اذا امنا دعت ، ليش اعطيتهم المحفظة و خسرنا ملىء( تفويلة ) البنزين ..ضحكنا كثيرا”،لكن السيدة الام قالت: في القران ١٤ سؤال الى الرسول (ص)،يسئلونك عن اليتامى قل ، يسئلونك عن الاهلة قل ، يسألونك ماذا ينفقون قل ، يسألونك عن الروح ، وووو، كلها فيها قل يا محمد ، الا الدعاء لان الله يقول في كتابه( واذا سألك عبادي عني ،فاني قريب ،اجيب دعوة الداعي اذا دعاني) ، الله يجيب الدعوة قبل ان ننطقها ..
يا بنات ، عندما تصلون كربلاء ، فان صدق نياتكم تفتح ابواب السماء اكراما” لابي عبدالله الحسين ..بقت في ذاكرتي : كربلاء بوابة السماء ، يستجاب فيها الدعاء..
اللهم احفظ العراق والعراقيين..
انت مولانا يا ارحم الراحمين..

 

شاهد أيضاً

السامرائي يلتقي البرزاني ويبحثان الأوضاع السياسية والأمنية

      إلتقى رئيس تحالف العزم المهندس مثنى السامرائي في مصيف صلاح الدين بأربيل …