جمال الاسدي
في الماضي القريب اعتقل مدير قناة في مطار السليمانية واغلقت مكاتب ( NRT ) في نفس المحافظة ، وفي محافظة الانبار اعتقل شاب لمجرد انه يلبس برمودا وكذلك اغلقت مكاتب قناة الشرقية في محافظة الانبار ، وفي محافظات اخرى تجري بعض الانتهاكات في نفس المستوى ومنها الكثير الكثير من التجاوزات على البيئة الاعلامية والتي وصلت الى حد التهديد الواضح او المبطن لكل من يبدي رأياً في وسيلة اعلامية لايروق للبعض ، وفي هذا الوقت هناك من يحلق شاب بنفس عقلية واسلوب البيئة العسكرية في العقوبة ، وهذه نتاج عسكرة العقول والمجتمعات .
دستوريا الحقوق الاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية محفوظة ومصانة لكن واقع هذه النصوص جلاتيني ، لان التفسيرات أو التطبيقات اصبحت مزاجية فنصت المادة الدستورية (38) على ان تكفل الدولة ، بما لا يخل بالنظام العام والآداب على (( اولاً :ـ حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.
ثانياً :ـ حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر. ))
لكن الاشكالية الاكبر هي تطويق الارادات السياسية في غطاء قضائي أو قانوني ، وهذا ليس خطأ النظام وحده بل خطأ تاريخ التربية للانظمة في العراق والمنطقة المحيطة به بشكل عام ، حيث تربت السلطات على تبعية القرار التنفيذي الاقوى .
اما المشرع الدستوري العراقي فقد انتبه لهذه الاشكالية ونص عليها في المادة (19)والتي تنص على ان(( أولاً :ـ القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون.
ثانياً :ـ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، ولا عقوبة إلا على الفعل الذي يعده القانون وقت اقترافه جريمة، ولا يجوز تطبيق عقوبة اشد من العقوبة النافذة وقت ارتكاب الجريمة)) .
وهنا النص اعطى الحماية للقضاء ، لكن يبدو انه يحتاج وقتاً اطول للاستحواذ على حقوقه ، والابتعاد عن اسلوب التكييف القانوني لمصلحة السلطة التنفيذية .
السلطات في العراق ترسخ فكرة ان الرأي العام هو رأي اعلامي اكثر مما هو رأي شعبي ، حتى اصبح الشارع مقتنع تماماً بأن رأي الاعلام هو رأي الشارع ، وحقيقة هذا الترسيخ سببه قلة الوعي السلطوي الستراتيجي .
الاستهتار بالسلطة مرض خطير سيتفاقم يوماً بعد اخر ، وهذا المرض هو البيئة المناسبة لنشوء الدكتاتوريات حتماً ، وسيؤدي الى المهلكة عاجلاً ام اجلاً ، اذا استمرينا بهذه الاساليب .
الاعلاميين سلاحهم الصوت او الكتابة ، وهذا السلاح اصبح في نظر البعض موضوع خطر يجب ان يكبل بل يقتل ويلقن درساً ، هناك من يستخدم التكميم والخنق الاعلامي باسلوبين ( معي ترتاح ، ضدي تحٌرم ).
لتكن عضلات التنفيذيين على غير الاعلام ، وليبرزوا بطولاتهم في اعمال تكون حديث ناسهم ، وتصبح هذه الاحاديث هي سلاح التنفيذي امام سلاح الاعلام .
الاعلام سيستمر بينما الشخوص السلطوية تتغير والتاريخ سيذكر اعمال كليهما ويبدو أن البعض في العراق لايحب استذكار اعماله بعد حين ، لان في نظره ان التاريخ لاقيمه له .
حجز المفرزة التي اعتدت على الشاب ظلمنا وحبسها ومحتمل حلاقة رأسها كما فعلوا مع الشاب هو اسلوب لايبتعد عن الاسلوب الذي فعلته المفرزة بحق الشاب ،
ان تشكيل المجالس التحقيقة وفقاً للقانون واحالة المقصرين الى الجهات المعنية بدون الذهاب الى التشفي والاهانة بحق المخطئ او المتجاوز سواء بحجزه او حبسه او حتى عقابه هو الطريق الصحيح لبناء عقلية تحترم الانسان قبل اي شيء اخر .
لن يصلح المجتمع ان لم تتغير عقليته بأن العقوبة هي اصلاح للفرد وليس تشفي واهانة او ابراز عضلات .